دولة الرئيس، حضرة النواب المحترمين، ايها اللبنانيون،
بين الثالث والعشرين من آب، والثالث والعشرين من ايلول، شهر يختصر عمرا، وعمر يختزل تاريخا. انهما عمر الديمقراطية اللبنانية، وتاريخ الاصالة الوطنية، الاقوى من المحنة، والابقى على مر العهود.
ديمقراطيتنا في عمق الكيان، واصالتنا في بعد الوجود، وما وقفات هذا المجلس النيابي الكريم، الا تعبير عنهما، وتجسيد لهما.
لقد بقي المجلس، في وجه كل التحديات بفضل تصميم اعضائه، ومبادرة رئيسه، الصورة الحقيقية للارادة اللبنانية، ومركز الضمير الوطني، يؤكد على امتداد قراراته الشجاعة، وممارساته الواعية، ان وحدة الارض والشعب والمؤسسات هي قدرنا المختار وان لا بديل منها، ولا غنى عنها.
وها هو، في الاجماع الذي حققه منذ يومين، يمثل تمسك اللبنانيين بوحدة لبنان، واصرارهم على انقاذه.
انني اذ اتسلم الامانة من عهد، والقضية من عهد آخر، الامانة من عهد فخامة الرئيس الياس سركيس، الذي انتهت ولايته صباح هذا اليوم، والقضية من عهد فخامة الرئيس الشهيد بشير الجميل الذي لم يتح له ان يبدأ، اعلن ان للرئيسين، على الوطن وعلي، واجب الانصاف للاول، والوفاء بالثاني.
فالرئيس سركيس، عانى وصبر، ثابر وصمد، والرئيس بشير، اخي ورفيق حلم والتزم، ناضل واستشهد، فمن حق ذكراه علينا، ان نعمل على تحقيق الاحلام التي راودته، والآمال التي علقت عليه.
ايها اللبنانيون،
انني اتسلم الرئاسة والوطن في حال من العناء والعياء، وحدته حقيقة في الضمائر، وواقعه تمزق على الارض، وتشتت، تتجاذبه الاطماع، وتتقاذفه الاهواء، تعصف به الاحقاد، وتقوم الحواجز بين ابنائه.
والدولة تتنازعها مصالح الدول والدويلات، معطلة المؤسسات، منهوبة الموارد، مغتصبة المرافق.
بيروت العاصمة المشطورة بين غرب وشرق، مثخنة بالجراح، تعاني آثار الدمار.
الجبل قلق من تفكك الاواصر بين قراه، وكثرة الفواصل بين اهله.
الشمال اصابته العاصفة التي اجتاحت لبنان، فباعدت بين جزء غال من الوطن وسائر اجزائه، يشد بنا الحنين اليه، ويناديه الوطن للخروج من دوامة المآسي والغربة، واعادة اللحمة بين ابناء العائلة الواحدة، بروح التسامح والاخاء.
البقاع مصدر الخصب والعطاء، في ارضنا الطيبة، تحول الى ميدان تتصارع فيه القوى الخارجية، وتشكل تهديدا مباشرا عليه وعلى لبنان.
اما الجنوب، ففي تطلع دائم الى الوطن والدولة، متشبث بهويته اللبنانية وانتمائه العضوي الى الارض الموحدة.
ان لبنان 10452 كلم2 يأبى الانسلاخ كما يرفض الارتهان، ويصر على ان يرجع الى نفسه ويستعيد ذاته.
ايها اللبنانيون،
اننا امام تحديات مصيرية لا بد من مواجهتها، وانا مصمم على تأدية واجبي كاملا في قيادة مسيرة الخلاص.
انا من هذا المجلس، بالذات ابن هذا الشعب الابي، عشت معه، وكنا شركاء معاناة ورفاق قضية. من اجل ذلك، اقول لكم انني اخوض معكم، مغامرة الانقاذ. انني اراهن على المستقبل الافضل لجميع اللبنانيين، في العنفوان والمجد، في الفرح والسعادة، واعرف تماما مطامح الشعب وحاجة الوطن. اول ما يحتاج اليه الوطن وحدة ابنائه، ووقوفهم سدا منيعا بوجه كل ما يتهددهم من اخطار. فالوحدة الوطنية اساس الوطن، والاولوية للبنان، وللولاء المطلق، ولن نقبل باي ازدواجية في الولاء، فنحن كلنا موحدون، ولن نقبل شركاء في وطننا.
ايها اللبنانيون،
لن اقدم لكم برنامج عهد، لان هما واحدا يتملكني الآن، هو وقف دورة العنف والنزف على ارض لبنان. يجب ان تنتهي كل حروب الآخرين في لبنان، وضد لبنان.
يجب ضمان امن الوطن وسلامة المواطن، ولن يتحقق ذلك الا من خلال دولة قوية، مستقلة سيدة تصون الحريات العامة، وتعمل على جلاء جميع الجيوش الاجنبية عن تراب الوطن، ويكون جيشها من كل لبنان، لكل لبنان، ليكون على كل ارض لبنان جيش قادر يضع حدا لاي انتهاك للحرمات او تطاول على القانون.
ايها اللبنانيون،
في موازاة الجيش، ومن اجل ضمان التوازن المؤسسي في الدولة، يجب ان يعود القضاء اللبناني وحده سلطة المحاكمة والحكم فيلمع سيف العدالة فوق كل الرؤوس، ويتحقق العدل.
ويجب ان تعود الادارة خادمة للمواطن، تسهل معاملاته، فلا ترهق اعصابه، ولا تهدر وقته او حقه، لذلك فلن يكون في الدولة موضع الا للكفاية والجدارة، والاهلية لان الدولة ستكون مؤسسة الكرامة والتضحية والخدمة العامة.
ايها اللبنانيون،
علينا ان نستحق لبنان لكي نستعيده، علينا ان نرجع اليه لكي نسترجعه، فلقد كفانا غربة واغترابا، كفانا هجرة وتهجيرا، واليوم موعدنا مع العودة الجماعية الى لبنان، الى الارض الطيبة المعطاء، الى النهضة الكبرى. انه موعد المصالحة مع النفس، مع الاخرين، موعد وحدة الارادة، ووحدة القرار، التي ترسي قواعد الاستقرار الوطني وتوطد دعائم الدولة الحديثة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والانمائية والعمرانية، وهي مواضيع سيكون لنا معها مواعيد قريبة.
ايها اللبنانيون،
اننا نزمع ان نوطد علاقات صداقة، ومودة مع العالم بأسره، بدءا بالاقربين، اخواننا العرب، فانتماء لبنان الى محيطه العربي ليس شرطا عليه بل خيار حر يحدده واقعه ومصالحه ودوره الطليعي، وعضويته في جامعة الدول العربية.
كما نلتزم بميثاق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان، واذا كان لبنان يرفض الدخول في لعبة المحاور، فهو يصر على البقاء في عداد الدول المتمسكة بالحرية في العالم التي تعتمد الحوار والديمقراطية وتنبذ العنف والارهاب. وتتصدى لهذا الارهاب.
دولة الرئيس، حضرة النواب المحترمين،
من مقعدي بينكم، في هذا المجلس الكريم، الى سدة الرئاسة الاولى، لا شيء يتبدل بالنسبة الي غير حجم المسؤولية، فكما اضطلعت بها نائيا سأضطلع بها رئيسا، وسأفي بكل عهودي نحو الوطن المفدى.
ويا ايها اللبنانيون،
اليوم يبرم عقدنا مع المستقبل: ان تكون الدولة الشرعية، دولتكم، هي الدولة ولا دولة سواها، وان يكون جيش هذه الدولة هو الجيش الحقيقي ولا جيش سواه، وان يكون لبنان ارض سلام لبنيه، ورسول سلام في المنطقة والعالم، ويظل ملتقى حضارات الدنيا، ورسالات السماء.
وعهدي لكم ان يكون لبنان ابدا فوق شخص الرئيس، والرئيس فوق صراعات الاحزاب والطوائف امينا على وحدة الوطن ومصالحه، على استقلال الدولة وسيادتها، على حق المواطن وكرامة الانسان، ذاك ان القسم الذي اديت، هو تزكية لالتزامي المطلق بالمبادىء التي نشأت عليها وعشتها، وسأفي بها ما حييت.
يحيا لبنان