عطوفة الرئيس، حضرات النواب المحترمين،
إن ثقتكم الغالية التي رفعتني إلى سدة الرئاسة ملأت قلبي شعوراً بالفضل وإدراكاً للمسؤولية. وهي إذ تجعل مني أباً لمجموع الأسرة اللبنانية وتسلخني عن صلة الدم والقربى، إنما تلاشى عندي ما تجمعه الأيام والأحوال في نفس كل بشر من رواسب التباين أو التفضيل، وتهيب بي، في جميع الظروف، إلى التقيد بما يفرضه الواجب في مجالات الدفاع عن استقلال البلد وسيادتها ودستورها وصيانة الحقوق والبر بالعهود. وليس لي في هذا منة أو فضل، إنه وليد ما عليّ للأمة واقتفاء للقدوة السامية الماثلة أمام أعين اللبنانيين في شخص الرئيس فؤاد شهاب الذي جاء تجرده الشخصي عنواناً لأروع الأمثولات في وقف كل طاقات الإنسان على خدمة الوطن وإسعاد الشعب. لقد وطد اللواء فؤاد شهاب عهداً اتسم بطابع الطمأنينة العامة، والاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي، وأصبحت المحافظة على قواعد العهد ومنجزاته أمانة غالية في عنق من يخلفه.
عطوفة الرئيس، حضرات النواب المحترمين،
أؤمن بلبنان إيماني بالله تعالى. أؤمن بأن هذا الوطن الصغير الرقعة، يمكنه أن يكون مثالاً رائعاً للدولة المستحلة المحبة للسلام، متآخياً بإخلاص مع جاراته وشقيقاته الدول العربية، ومطلاً على مشارق الدنيا بأسرها بنشاط أبنائه المقيمين والمغتربين. وأؤمن بأن وحدتنا الوطنية تنبع في الأصل ليس من إيماننا جميعاً بوطن واحد فحسب، بل قبل ذلك بإله واحد وبكرامة الإنسان وحريته وحقه، وحقه الأساسي في حياة مادية واجتماعية كريمة، وتتحقق بالمساواة بين جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات، وتتميز في المحبة والتسامح. وأؤمن بأن النظام الديمقراطي ضرورة جوهرية لبلادنا. فهو بالإضافة إلى ما يكرس من حريات ويؤمن من توازن بين السلطات، إنما يتيح عندنا مجال اللقاء المثمر بين الأسر الروحية اللبنانية فيتفاعل نشاطها ضمن المؤسسات الديمقراطية، وتتقابل حاجاتها وآراؤها في إطار من التعاون الأخوي. وإذا كان الحكم شورى فإن نظام الشورى هو في لبنان أحد شروط الحياة المشتركة والاستقرار. وأؤمن بأن السياسة الخارجية أرسيت، منذ الاستقلال، على قواعد متينة تتوازى مع إرادة شعبنا في العيش المشترك، ووحدة شعورنا وموقعنا الجغرافي، وتاريخنا والأواصر الطبيعية والأخوية التي تشدنا إلى العالم العربي، وانفتاحنا على العالم الأوسع وتعاوننا مع جميع الدول الصديقة على أساس المساواة. فكان، من هنا تلازم مستمر بينها وبين السياسة الداخلية. ومثل هذا التلازم قائم في لبنان، أكثر منه في أية بلاد أخرى، بين المعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فلا سبيل إلى ما نحرص عليه كل الحرص من تقدم اجتماعي مطرد إن لم يستمر للبلاد ازدهار اقتصادي هو ذاته مشروط بالاستقرار السياسي. ولذلك يتحتم على المواطنين جميعهم مساندة الدولة في مبادرتها إلى صيانة الحريات الفردية والجماعية، وبالتالي إلى إيجاد حلول للمعضلات الدائمة والطارئة يتلاقى من أجلها مجهود الدولة مع المجهود الفردي، ويسيران معاً على هدى مخطط مدروس على أسس علمية وواقعية. وهذا كله يحتاج بالطبع إلى أجهزة عمل إلى أداة تنفيذ إلى الإدارة بمعناها الواسع. ولقد خطت الإدارة اللبنانية في السنوات الأخيرة خطوات كبرى إلى الأمام بفضل الضوابط الإدارية والمالية التي أحيت بها، والتي ينبغي تعزيزها، غير أن إصلاح الإدارة لا يمكن أن يحقق غاياته كاملة، ويؤتي ثماره إن لم يرافقه عمل جدي لتعزيز التربية المدنية والروح المسلكية عند الذين تتعامل معهم الإدارة أي مجموع أفراد الشعب.
ولعل كلامنا، إذ يطمح إلى مزيد من الصلاح والإصلاح يسبر غور نفسه، ويجيل الطرف في محيطه أولاً ليرسخ فيها وفيه فكرة ما يبتغيه فتتلاقى مع الزمن الجهود المماثلة، وتنعكس مجتمعه في علاقات الشعب بالدولة. لقد آن لكل مواطن، أياً كانت مرتبته في صفوف الأمة أو في أجهزة الدولة، أن يشعر بمسؤولية عمله الفردي، ويقتنع بأن أصداء هذا العمل في الداخل وفي الخارج وتفاعلاته التي لا تقاس سلفاً تكون أقوى وأبعد كلما ارتفعت مرتبة صاحبه. ويقتضيني المنطق والحقيقة في هذا المجال، القول ان الرجل الذي ينتهي إليه شرف رئاسة الدولة يجب أن يفرض على نفسه تجرداً وزهداً كاملين كي ينطلق من نكران ذاته إلى كبح جماح الأنانيات، وإلى تشجيع روح التضحية في سبيل المصلحة العامة. أيها السادة، إني مدرك كل الادراك فداحة الأعباء وعظم التبعات الملقاة على عاتقي وأسأل الله سبحانه وتعالى عوناً عليها.
وآمل أن يكون من عمل مجلس النواب ونشاط الحكومات ومن تعلق كل مواطن بهذه الأرض اللبنانية الخيرة عون آخر لنسير جميعاً بلبنان على دروب العزة والمنعة والكرامة.
عاش لبنان.