دولة الرئيس، حضرة النواب المحترمين،
الحمد لله على نعمة الوطن الذي وهبنا، وعلى منة اللقاء الذي أتاح لنا، وما اسبغ علينا من وفاق هو أساس البنيان، وجوهر الكيان، وعهد مقدس امام الشعب والتاريخ.
والتحية الى شعبنا الحبيب، الذي عانى اشد الالام وتكبد افدح الخسائر، وظل صامدا عالي الجبهة، ابيا متمسكا بأرضه، وتراث اجداده، مدافعا عن حريته وسيادته.
انني انحني بخشوع، امام تضحيات شهداء الوطن الابرار، من كل منطقة، ومن أي انتماء، وقد ادوا ضريبة الدم، وتركوا في القلوب جراحا لا تندمل، وفي المآقي دموعا لا تجف.
اذكرهم اليوم جميعا، واشعر بمقدار الخسارة التي مني بها لبنان، في طاقاته البشرية، وأشارك في الحزن الذي أصاب كل بيت وعائلة.
ثم اتوجه بالشكر، اليكم، أيها الاخوة النواب، على ثقة منحتموني، وامانة أوكلتم الي، وما كنت اجدر بها منكم، وقد شرفتني رفقتكم اعواما واعزتني صداقتكم، ولن انسى زمالة بيننا، وتضحيات جساما قدمتموها، وشهادات اديتم، فكنتم على امتداد المأساة طليعة موكب الفداء، وجزءا لا يتجزأ من ملحمة الصمود والبقاء.
والشكر العميق، للاخوة العرب، ملوكا ورؤساء، دولا وشعوبا، وقد تحسسوا آلامنا وحدبوا على قضيتنا، واطلقوا المبادرات، وبذلوا المساعي التي توجتها اللجنة الثلاثية العليا، في رعاية اجتماعات الطائف، وما تحقق لنا بفضلها من وفاق، جسدته وثيقة سياسية متكاملة، نعتبرها مدخلا الى السلام الوطني وارساء لقواعد الجمهورية الجديدة، جمهورية المؤسسات، والمشاركة المتكافئة في المسؤوليات، واصالة الانتماء العربي، وتأكيد الولاء للوطن الموحد القوي، والعزم على توطيد السيادة، وبسط سلطة الدولة الشرعية، بقواتها الذاتية، على كل ذرة من ترابها، او قطرة من مياهها، وعلى اي مدى من اجوائها، وذلك موقف اساسي، غير قابل للجدل او الشك.
اننا نعلن التزامنا بنود هذه الوثيقة التاريخية، وحرصنا على تنفيذها تحقيقا لعهد من المحبة والوئام، والتقدم الاجتماعي، والانصهار الوطني، والانفتاح الانساني.
ونشكر من الصميم، جميع الدول الصديقة، وفي طليعتها ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن الدولي، التي تفهمت واقعنا، وتعاطفت مع دعواتنا، وعبرت في شتى المناسبات عن دعمها لوحدة لبنان، واستقلاله، وحريته، وسيادته وسلامة اراضيه، ضمن حدوده المعترف بها دوليا.
ونسجل بعرفان وتقدير، ما اعلنه الاخوة والاصدقاء، من استعداد لمساعدة لبنان في عهد السلام الاتي، على اعادة الاعمار، وتنفيذ مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتغلب على اثار المحنة، واطلاق مخططات النهضة.
حضرة النواب المحترمين،
لقد كنت دائما، وعرفتموني، في حياتي ومسلكي، رجل وفاق وتوفيق، اعمل لجمع الكلمة، وتوحيد الصف، وارفض التفريق، واعتبر اليوم ان رهان عمري هو انجاز المصالحة بين اللبنانيين، على اختلاف المشارب والاتجاهات.
فالمصالحة الوطنية لا تستثني احدا، حتى ولا اولئك الذين يصرون على استثناء انفسهم منها، المصالحة ملك الجميع، وتتسع للجميع.
انني أوجه دعوة حارة ملحة، الى كل اللبنانيين، اينما كانوا، للانضمام الى مسيرة السلام والبناء، تحت شعار الوفاق وتكافؤ الفرص، والعدالة والمساواة.
أدعو جميع القادة، والزعماء، والفاعليات، واصحاب المواقع والمواقف، لان يستوحوا مصلحة الوطن العليا، ويستلهموا ضمائرهم، فيضعوا ايديهم في يدي، واكتافهم الى كتفي، لان الحصاد كثير، والفعلة قليلون، مهما كثروا وابتهل من الاعماق الى رب الحصاد، لكي يرسل فعلة لحصاده.
وليعلم كل واحد منا، انه سيظل ناقصا، اذا اصر على البقاء وحده، ورفض اخاه، وتنكر له، وانكر عليه دوره في الخدمة. ففي صدر الوطن واحضانه مكان للجميع، ونحن اليوم احوج ما نكون الى دفء الوطن وفيئه، في صقيع الزمن وصحراء التجرية.
ان الوطن بحاجة الينا، فلنضع حدا نهائيا للعنف والاقتتال، وليكف الجميع عن الاحتكام الى السلاح، ولنعد الى الكلمة السواء.
فمن حق شعبنا أن يستعيد فرح الحياة، ومن حق اطفالنا ان يولدوا في اجواء الامن والحرية والسلام، وان نعيش كلنا في هناء وصفاء.
ايها السادة النواب،
ان دور المؤسسات الدستورية والوطنية يأخذ ابعادا متجددة في جمهوريتنا، وضمن اطار نظامنا الديمقراطي البرلماني الحر، الذي يلائم طبيعتنا وينسجم مع الشخصية اللبنانية، وها نحن بعد خمسة عشر عاما من القتل والتدمير، بحاجة الى التقاط انفاسنا، وجمع طاقاتنا لفتح صفحة المستقبل، وسنعمد الى تأليف حكومة الوفاق الوطني، التي تضم العائلة اللبنانية، فتعيد وصل ما انقطع، وتوحيد ما تقسم.
واذ أشدد على أهمية الدور الذي ستضطلع به مؤسساتنا الامنية من جيش، وقوى أمن داخلي، وامن عام، فاني استجيب لعاطفة متأصلة في نفسي، واعلن ثقتي الكاملة بجيشنا اللبناني، مدرسة الشهامة والمناقب، المدافع عن الحق، والملتزم واجبه الوطني.
وبصفتي القائد الاعلى للقوات المسلحة، أوجه اليها جميعا، قادة وضباطا ورتباء وافرادا، والى جميع الجنود الذين اقسموا يمين الولاء للوطن، والتقيد بأمرة السلطة الشرعية، ان يحافظوا على قداسة القسم، وشرف الجندية، فهم حماة النظام، ومسؤولون عن السلامة العامة، ومشاركون اساسيون في صنع السلام.
ان القضايا المطروحة علينا كثيرة، والملفات متراكمة امامنا، ونحن سنواجهها بما تقتضيه من تصميم وحزم، ونستعين عليها بفريق الحكم، واهل الخبرة والاختصاص، معولين على اجيالنا الجديدة التي أصابها من اذى الحرب ما يتجاوز حدود الاحتمال، ونريد جميع ابنائنا ان يعرفوا مدى حاجة لبنان الى سواعدهم وعقولهم، فهم عدة الوطن للمستقبل، وليعلموا اننا اقرب اليهم مما يظنون، لان تواصل الابوة والبنوة هو سنة الحياة، ومن الخطأ النظر الى علاقة الآباء والبنين على انها صراع موجود، يحتمه اختلاف الاجيال.
ان الهموم اللبنانية اكثر من ان تحصى، واني لست هنا بصدد تعدادها، ولكن ثمة أولويات لا بد من التركيز عليها، فالمسألة الاساسية هي جمع اجزاء الوطن، جزءا جزءا، واستعادة السيادة عليها، واحلال السلام فيها، واكثر ما يلح علينا في هذه المرحلة، ازالة الاحتلال عن الجنوب، بتنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي، لان الامعان في العدوان على حق الشعوب بالسيادة على ارضها، يتعارض مع ابسط قواعد القانون الدولي، ويتحدى المجتمع الانساني بأسره.
وفي هذا السياق، نحرص على توجيه الشكر والامتنان الى قوات الطوارىء الدولية التي تتولى مهمة حفظ السلام في الجنوب، ونعبر عن وفائنا للدول الصديقة المشاركة فيها، وتقديرنا لما تبذله الامانة العامة من جهود، تخفيفا لوطأة الاحتلال، ومؤاساة لشعبنا الصامد على ارضه.
دولة الرئيس، حضرة النواب الكرام،
في عهد الوفاق الوطني المطل علينا، لنا موعد اكيد مع التضامن والتكافل الاجتماعي، القائم على الانماء والاصلاح، تحقيقا للمساواة بين المناطق وضمانا لمستوى لائق في تقديمات الدولة وخدماتها.
ايها السادة:
ان علاقات لبنان الخارجية، يجب ان تعود الى سابق صفائها، يجب ان تزول الاسباب التي عكرت بعضها، وادت الى انقطاع بعضها، ويجب ان تعود بيروت مركزا للمؤسسات الاقليمية والدولية، وللبعثات الدبلوماسية، والممثليات العالمية.
ولا شك ان تحسين العلاقات يبدأ بالاقربين عنيت الاشقاء العرب، وخصوصا الجمهورية العربية السورية، التي نؤمن ان بيننا وبينها من المصالح والاواصر ما يحتم تنظيم العلاقات المميزة، على اساس توطيد الثقة، والتعاون الصادق الواضح في شتى المجالات، وضمن الحرص المتبادل على الكرامة والسيادة، واني على يقين ان حسن النية، ونبل القصد، يمكناننا من بناء الغد الافضل.
ايها السادة النواب،
لقد اديت يمين المسؤولية وسأؤدي واجبي كاملا، نحو وطني وشعبي، ولن تثنيني صعوبات عن متابعة مسيرة الخلاص، واني اعاهدكم على الا اخلد الى الراحة الا وقد قامت الجمهورية الجديدة مكتملة الشروط والمواصفات، منيعة الجوانب، ثابتة الاركان، محاطة بدعم عالمي اجماعي ودعم دولي كامل، وقرار عربي واضح يجب ان نكمله بتعاوننا وتفاهمنا وتعاضدنا.
اعاهدكم بانني لن اسمح لنفسي بلحظة راحة، الا وقد استتب الامن اللبناني الشرعي في اخر بقعة من ارضنا، الا وقد جمعت اخر قطعة سلاح خارج القوات المسلحة الشرعية، وتوقف اي تجاوز، وقمع اي ارتكاب، واعيد كل حق الى نصابه، ورد كل ملك الى اصحابه.
لن ارتاح الا وقد تم اعمار ما تهدم واسكان من هجر، واستعادة من هاجر تحت وطأة الحاجة والضغط، والتماسا لنجاة من خطر، او طلبا لرزق وراء البحار، لانه اذا كان الانتشار الطوعي ميزة لبنانية وطابعا حضاريا واغناء تراثيا، فان الهجرة القسرية الى خارج الوطن كالتهجير في داخله اهدار للطاقة واذلال للكبرياء وتسبب بالاعاقة في المضمار الانساني.
ان عهدي على نفسي ان اتعاون مع كل مخلص دون تصنيف لاجل ان ترتفع راية الارز فوق كل القمم، ويسلم حق المواطن، وكرامة الانسان، فتعود البسمة الى جميع الشفاه، ويملأ الفرح كل القلوب، وتعم البركة سائر العيال.
عند ذاك، وعند ذاك فقط، نشعر براحة الوجدان، ونستحق الثقة، وشرف لبنان.
عاش لبنان حرا مستقلا سيدا لجميع اهله الى الابد.