يرتفع قصر بيت الدين في قلب الشوف كأبرز اثر تراثي للنهضة العمرانية في جبل لبنان في القرن التاسع عشر، وكدليل على تواصل الحكم الوطني من زمن الامارة الى عهد الجمهورية.
في العام 1806 ، وبعدما انتهى من توطيد حكمه، انصرف الامير بشير الشهابي الثاني (1788 – 1840) الى تعزيز مكانته بالأبهة ومظاهر الفخامة، فبنى قصرا على هضبة بيت الدين القريبة من دير القمر (750 م عن سطح البحر) ثم ما لبث ان نقل اليه مقرّ الحكم – وما زال القصر والقناة التي بنيت بين 1812 و1815 لجر المياه اليه من ينابيع نهر الصفا، ينطقان الى اليوم بنشاط الامير في حقل العمران.
بقي قصر بيت الدين مقرا للإمارة حتى سنة 1840، وهي السنة التي نفي فيها الامير بشير الى مالطا فإسطنبول حيث مات سنة 1850. وبعد الغاء الامارة وقيام نظام القائمقاميتين سنة 1842، ثم "المتصرفية" بعد حوادث 1860، ابتاع المتصرف داوود باشا الارمني للحكومة اللبنانية قصر بيت الدين من آل شهاب، وجعل منه مقرا صيفيا للمتصرفين الذين تعاقبوا بين العامين 1864 و1915 .
في عهد الانتداب الفرنسي (1920 – 1943) وبعد اعلان الجمهورية اللبنانية سنة 1926، بدأت في القصر اعمال ترميم واسعة النطاق بهدف اعادته الى رونقه الاوّل.
وسنة 1934 صنّف القصر بناء تاريخيا وادخل في لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية والاثرية.
في بداية عهد الاستقلال سنة 1943 اصبح القصر المقّر الصيفي الرسمي لرئاسة الجمهورية. وكان اول من سكنه رئيس الاستقلال الشيخ بشاره خليل الخوري، الذي سهر ايضا على ترميم اجنحة القصر (السلملك والحرملك) وعبّد ساحاته والطرق المؤدية اليه.
وبتصميم ودعم من الرئيس الخوري، سعت الحكومة اللبنانية لدى الحكومة التركية بالسماح لها بتسلم رفات الامير بشير الثاني الشهابي من كنيسة الارمن الكاثوليك في اسطنبول لكي يدفن في حرم القصر الذي بناه. وفي صيف 1947، وافقت الحكومة التركية على الطلب اللبناني. فسافر وفد برئاسة قائد الجيش الزعيم فؤاد شهاب الى اسطنبول وتسلمّ الرفات الذي نقل بالسكة الحديدية الى بيروت، فاستقبله لبنان بالحفاوة والتكريم. واقامت الحكومة مأتما وطنيا للامير سار من المرفأ الى ساحة الشهداء فإلى بيت الدين حيث ووري في مدفن خاص في حرم القصر التاريخي.
خلال عهدي الرئيسين بشارة الخوري وكميل شمعون كانت دوائر القصر تنتقل صيفا بكاملها الى قصر بيت الدين. لكن الرئيس فؤاد شهاب لم يسكن القصر إلا ليلة واحدة، على عكس الرؤساء شارل حلو وسليمان فرنجية والياس سركيس واميل لحود وميشال سليمان الذين حرصوا على قضاء جزء من الصيف في ارجاء القصر، مع تميز الرئيس سليمان بقضائه الفترة الأطول من الصيف في بيت الدين مقارنة بالرؤساء السابقين.
وحالت ظروف الحرب وما تلاها دون زيارة الرئيسين امين الجميّل والياس الهراوي الى بيت الدين، الى ان استعادته الدولة سنة 1992 واستأنف الرئيس اميل لحود الاقامة فيه بضعة أسابيع في الصيف، بدءا من سنة 1999 .
خضع القصر لعملية ترميم وتحديث اخرى في عهد الرئيس شارل حلو (1964 – 1970) كذلك اشرف وزير الاشغال والسياحة وليد جنبلاط (1984 - 1989) على المحافظة على معالم القصر وحمايتها من التداعي رغم ظروف الحرب القاسية. اما الرئيس ميشال سليمان فاكد في خلال جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في قصر بيت الدين تاريخ 18/8/2010 على حاجة القصر للترميم فقرر مجلس الوزراء تكليف مجلس الانماء والاعمار متابعة الامر بالتنسيق مع الوزارات المعنية. وسنة 2010 ايضا اعطى الرئيس سليمان توجيهاته الى المسؤولين عن القصر بفتح بعض الاقسام المهمة في الجناح الرئاسي امام الزوار والسيّاح لإغناء اطلاعهم على المعلم الاثري والتاريخي.
شهد قصر بيت الدين مناسبات ولقاءات ومؤتمرات عديدة- فإضافة الى جلسات مجلس الوزراء الذي بنيت القاعة الخاصة به في عهد الرئيس فرنجيه، فقد عقدت فيه خلوات وزارية خلال سنوات 1968 و1969 و1974 بالإضافة الى اجتماعات هيئة الحوار الوطني في آب 2010 و2012 كذلك التأمت في القصر اجتماعات لجنة المتابعة العربية الخاصة بالأزمة اللبنانية في تشرين الاول 1978 وفي حزيران وتموز 1981. ولم تكن القمة اللبنانية – السورية بين الرئيسين بشارة الخوري وشكري القوتلي صيف 1947 ، سوى واحدة من سلسلة لقاءات ذروة جمعت الرؤساء شمعون وحلو وفرنجية مع رؤساء وملوك وامراء في ارجاء القصر اما الحدث اليتيم في بيت الدين في عهد الرئيس شهاب فكان المهرجان الاول للمغتربين في تموز 1959 .